كيف تساعد طفلك على تخطي مرحلة تعرّضه للتحرش الجنسي
تعرّض الطفل للتحرش الجنسي هو من أسوأ التجارب التي يمكن أن يمر بها في مرحلة من مراحل حياته. هذه التجربة تؤثر على الطفل نفسيًا وجسديًا، وقد تترك آثارًا عميقة تؤثر في سلوكه ومشاعره في المستقبل. إن التعامل مع هذه المسألة يتطلب أحيانًا أكثر من مجرد الدعم العاطفي؛ بل يحتاج إلى استراتيجيات متكاملة للتعامل مع آثار التحرش، مع التأكد من أن الطفل يحصل على المساعدة اللازمة ليتمكن من تخطي تلك المرحلة بأقل قدر من الأضرار. في هذا المقال، سنستعرض كيفية مساعدة الطفل على تخطي هذه التجربة المؤلمة بكل جوانبها، بدءًا من التوجيه النفسي وحتى كيفية التعامل مع الأسرة والمجتمع.
1. الاستجابة الفورية: الحفاظ على الأمان العاطفي والبدني للطفل
أول خطوة يجب اتخاذها عندما يعرف الوالدان أو المشرفون على الطفل أن الطفل قد تعرض للتحرش الجنسي هي تقديم الدعم الفوري والمباشر له. إن الطفل الذي تعرض للتحرش يشعر بالكثير من الذنب والخوف والارتباك، وقد لا يعرف كيفية التعبير عن مشاعره. لذلك، من المهم أن تكون استجابة الوالدين أو المعنيين سريعة وألا يتم تجاهل أي من مشاعر الطفل.
يجب أن يشعر الطفل بالأمان في محيطه، وأن يعرف أنه ليس المسؤول عن ما حدث. يجب على الوالدين أو مقدمي الرعاية أن يتأكدوا من أن الطفل في بيئة خالية من أي تهديدات وأنه يحصل على الدعم العاطفي والبدني اللازم.
إن الرد الفوري على الطفل مع التأكيد على أنه ليس هو المسؤول عن الحادث هو أمر بالغ الأهمية. إذا كانت الحادثة قد وقعت في مكان ما خارج المنزل، يجب أن يتم التأكد من أن المكان أصبح آمنًا للطفل مرة أخرى. في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر نقله إلى مكان آخر لفترة، مثل العيش مع أحد أفراد الأسرة الموثوق بهم أو الانتقال إلى مكان آمن تمامًا.
2. التحدث مع الطفل وتوفير المساحة للتعبير عن نفسه
عند التعامل مع طفل تعرض للتحرش الجنسي، من المهم فتح قنوات تواصل آمنة. يجب على الوالدين أن يكونوا مستعدين للاستماع بعناية إلى كل ما يعبر عنه الطفل، دون أن يظهروا أي نوع من أنواع الإدانة أو الغضب. لا ينبغي أبداً الضغط على الطفل ليتحدث عن الحادث قبل أن يكون مستعدًا لذلك. بعض الأطفال قد يحتاجون إلى وقت طويل قبل أن يشعروا بالراحة للتعبير عن مشاعرهم.
التحدث مع الطفل حول التجربة يجب أن يتم بطريقة هادئة ومطمئنة. من المهم أن يعرف الطفل أنه ليس وحيدًا، وأنه ليس خائفًا من التحدث. يجب على الوالدين تجنب الضغط أو إظهار أي نوع من السلبية تجاه ما يعبر عنه الطفل. إن منح الطفل المساحة للتعبير عن نفسه بحرية يعزز من ثقته ويخفف من القلق الذي قد يشعر به.
3. الاستعانة بمختصين في العلاج النفسي
يُعد الاستعانة بمعالج نفسي متدرب خطوة مهمة جدًا عند مساعدة الطفل على التعافي من تجربة التحرش الجنسي. في بعض الحالات، قد يصعب على الوالدين أو المحيطين بالطفل مساعدته بشكل كافٍ دون تدخل مختص. يعمل المعالج النفسي على استخدام تقنيات العلاج المناسبة مثل العلاج المعرفي السلوكي أو العلاج النفسي الموجه للأطفال، والذي يساعد الطفل في معالجة المشاعر والأفكار التي نشأت نتيجة الحادث.
من المهم أيضًا أن يكون المعالج متخصصًا في التعامل مع الأطفال الذين مروا بتجارب مشابهة، بحيث يكون لديه الخبرة الكافية لمساعدتهم في التغلب على صدمة التحرش. يجب أن يتم العلاج وفقًا لوتيرة الطفل، حيث قد يحتاج إلى جلسات متعددة على مدى فترة طويلة حتى يتمكن من التعافي.
4. التعليم والتوعية حول الحدود الشخصية والجسدية
بعد حادثة التحرش، من المهم تعليم الطفل حول الحقوق الشخصية، خصوصًا في ما يتعلق بالجسد والحدود الشخصية. يجب أن يعرف الطفل أن جسده ملك له فقط، وأنه له الحق في رفض أي تلامس جسدي لا يرضى به. هذا النوع من التعليم يسهم في إعادة بناء الثقة بالنفس، ويشجع الطفل على التحدث عن أي محاولة تحرش قد يتعرض لها مستقبلاً.
يجب على الوالدين أن يشرحوا للطفل الفرق بين التلامس الجيد والتلامس السيئ، وتعليمه كيف يمكنه تحديد متى يتجاوز شخص ما حدوده. من المهم أن يتم هذا التوجيه بلغة بسيطة وسهلة، تتناسب مع مستوى فهم الطفل.
5. إعادة بناء الثقة في العلاقات الاجتماعية
أحد الآثار التي قد يتعرض لها الطفل بعد حادثة تحرش هي انعدام الثقة في الآخرين. قد يشعر الطفل بالخوف من التعامل مع الآخرين، خاصة إذا كان الشخص الذي ارتكب التحرش هو شخص قريب مثل فرد من العائلة أو صديق. لذلك، يجب على الوالدين أو من يتولى رعاية الطفل أن يعملوا على إعادة بناء هذه الثقة تدريجيًا، وذلك من خلال توفير بيئة آمنة وداعمة.
يجب أن يتأكد الوالدان من أن الطفل لديه شبكة دعم قوية من الأصدقاء والعائلة الذين يمكنه الوثوق بهم. من المهم أن يعزز الوالدان شعور الطفل بأن هناك من يهتم به ويحبّه، ويشجعه على الانخراط في الأنشطة التي تتيح له التفاعل مع الآخرين في بيئة آمنة.
6. الاحتفاظ بسجلات دقيقة والتحقيق الرسمي
من الأمور المهمة جدًا التي يجب مراعاتها عند التعامل مع قضية التحرش الجنسي هي ضمان أن يتم التحقيق في الواقعة بشكل رسمي، في حال قرر الوالدان التقدم بشكوى أو أخذ القضية إلى السلطات. يجب على الوالدين الاحتفاظ بسجلات دقيقة للحادثة، بما في ذلك أي تفاصيل يذكرها الطفل، مثل الأماكن، الأشخاص المتورطين، والتواريخ.
إذا كانت الحادثة تتطلب تدخلًا قانونيًا، يجب أن يتم إخبار الطفل بما يحدث بطريقة تتناسب مع عمره وفهمه، مع تجنب إرباكه أو زيادة خوفه. من المهم أن يعرف الطفل أن هناك عملية قانونية لضمان عدم تكرار الحادث.
7. الدعم المستمر من قبل الأسرة والمجتمع
إن الدعم المستمر من قبل الأسرة والمجتمع هو جزء أساسي من رحلة شفاء الطفل بعد تعرضه للتحرش الجنسي. يجب أن يشعر الطفل بأنه محاط بالحب والدعم من قبل كل من حوله. ينبغي للأسرة أن تبذل جهدًا كبيرًا في توفير بيئة مستقرّة، يعمها الأمان والراحة.
قد تكون هناك أيضًا منظمات أو مجموعات دعم محلية يمكن أن تساعد العائلة في التعامل مع مشاعر الطفل. مثل هذه المجموعات تتيح للأهل الحصول على الدعم النفسي والاجتماعي، كما تساعد الأطفال في التواصل مع آخرين مرّوا بتجارب مشابهة.
8. التركيز على إعادة بناء حياة الطفل اليومية
عندما يتم التعامل مع الحادثة من خلال العلاج النفسي والدعم العاطفي، يأتي دور إعادة الطفل إلى حياته اليومية بشكل تدريجي. يجب أن يتم تحفيز الطفل للانخراط في الأنشطة المدرسية، الاجتماعية، والترفيهية التي يحبها، على أن يتم التأكد من أن هذه الأنشطة تشعره بالأمان والراحة.
من خلال تعزيز الأنشطة التي يحبها الطفل ويشعر بها بالراحة، يمكن أن يبدأ في بناء حياة يومية جديدة تكون بعيدة عن الذكريات المؤلمة التي مر بها.
